ماذا يخبئ لها المستقبل، فيما يخص استقرارها، صحتها، سلامتها، نفقات تعليمها، عملها، حياتها، كيفية تمويل مصاريف حياتها؟.
طفلتي عمرها الآن تسعة أشهر، وهي لا تتميز عن غيرها أبداً، حيث يتجاوز عدد من هم أقل من عام واحد في سوريا حالياً الأربعمائة وخمسين ألف طفلة، يستهلكون الحليب والحفاضات والأدوية والألبسة ومن ثم الكتب والدفاتر وأقساط المدارس.......... وغيرها!. أنا أبث أفكاري وتوقعاتي عن مستقبلها، و لكن بما أنها لا تدرك معاني كلماتي، ولا تفهم قلقي على مستقبلها، فقد قررت الكتابة لها.
طفلتي العزيزة: أحاول جاهداً بأن أبيّن لك وأنت في هذا العمر، ما أتمناه لك من مستقبل ملفتٍ ومستقر، فيه كل السعادة والاستقرار لتحقيق ما تريدين، كما أتمنى أن تتحسّن أحوالكم عندما تكبرين ( ولكن الأمل ضئيل جداً )، فمن صفات هذا العالَم الحالي: سرعة التغييرات والتطورات وسيطرة التكنولوجيا و وسائل الاتصال مع تغير العادات المعيشية وتبدل الأعراف الاجتماعية، ولكن: بماذا أعدك يا ابنتي! فالتعليم من صعب إلى أصعب وفرص التعليم في الجامعات تقل في ظل ازدياد عدد السكان وعدم توسيع الجامعات الحكومية لزيادة الاستيعاب. أما عن الجامعات الخاصة فأقساطها كبيرة و بعيدة عن متناول الكثيرين، ولذلك أنا آسف يا ابنتي إن لم أتمكن من توفير فرصة مناسبة لك للدراسة بالمدارس الخاصة الحديثة أو في الجامعات الكبيرة التي تُدَرِس باللغات الأجنبية، وربما ستشعرين بعقدة النقص وانعدام تكافؤ الفرص، إن تخرجت من جامعة حكومية مجانية، عندما ستتقدمين لفرصة عمل تقدم لها أيضاً طلاب الجامعات الخاصة.
أما عن الصحة والنظافة، فها نحن نئن من انتشار القمامة بسبب عدم وعي الناس لخطورتها وعدم تطبيق" النظافة من الإيمان"، مع اتساخ الشوارع ، وغلاء الاستطباب والعلاج بدون تطبيق الضمان الصحي للأفراد، وأن دخول المستشفيات الحكومية بحاجة إلى دفع الإكراميات بعد تقبيل أيادي الممرضات ومن بعدهم الأطباء الذي سيحولون المريض إلى أحد المشافي الخاصة أو إلى عياداتهم الخاصة، وإلا إلى أماكن أخرى لا رجعة منها!! وذلك بسبب العجز أو الإهمال أو الاكتظاظ .
وعن المرور وحركة السيارات، فإننا ننتمي للعصور الوسطى في الوعي المروري، كما أننا نقلد الميليشيات المتمردة في سير مركباتنا التي تقتل يومياً ثمانية مواطنين أي مواطناً كل ثلاثة ساعات تقريباً !، ولستُ على يقين من أن أحداً ما يسعى بشكل جدي وجذري لوقف هذه الحرب الخاسرة، وتوقيع اتفاق سلام مع هؤلاء الذين يتسببون بقتل المواطنين بدم بارد و بلا حضارة إنسانية، وهذا ما قد يلغي أي أمل بالحياة المستقرة الهانئة والمريحة لأي إنسان أو عائلة في أية لحظة.
ولكن كيف يقاوم الإنسان مع هذه الأزمات؟ فهناك أزمة: سكن، طاقة، فساد، بطالة، تلوث، نقص مياه، تعليم ضعيف، انفجار سكاني، ضعف استثمارات، قطاع حكومي فاشل اقتصادياً، وتفكير دائم بذوي الدخل المحدود، ولكن ماذا عن ذوي الدخل المسدود ؟ لا أمل إلا بالهجرة!!
أعرف يا ابنتي بأنه من الأفضل لك ولمستقبلك بأن نقدم أوراق الهجرة لأي بلد أوروبي أو أمريكي( كما يفعل الآلاف غيرنا حالياً من أجل أطفالهم )، حتى ولو كان فيها من المخاطر والأعباء المالية الكبيرة والتذلل أمام السفارات الأجنبية وانتظار الدور لسنوات طويلة على أمل الموافقة على طلباتنا، على الرغم من ندرة فرص العمل في تلك البلدان، حيث لا أهل ولا جيران ولا عادات ولا تقاليد . لأجل مستقبلك يا طفلتي.. أنبقى أم نهاجر؟ ولكن إلى أين نهاجر؟