ظلت قراءة النكبـــة الفلسطينية، أو التـــأريـــخ لها، قـــاصــرة، وتحوي على كثير من التلاعب ، وأساساً لا يوجد حتى الآن رواية تسجيليــــــة للنكبــــة، وللمعطيات التي كَمُنت وراء أحداثها، وصنعت نتائجها.
مثلا، منذ البداية جرى اعتبار النكبة، نتاج فِعل استعماري - صهيوني، وهذا صحيح، لكنه لا يسرد القصة كلها، أو لا يفسر حقيقة ما حصل، لا سيما أنه لم يحصل فجأة، وإنما جاء في إطار سلسلة من الأحداث والتطورات المتعلقة بقيام الحركة الصهيونية، وتوجيه الهجرة اليهودية الى فلسطين، وإقامة كيانات سياسية وعسكرية واقتصادية وتعليمية لإسرائيل، قبل إعلان قيامها بنصف قرن.
فوق ذلك فقد حملت هذه الرواية عن النكبة أساطير عديدة، من ضمنها أن سبعة جيوش عربية جاءت الى فلسطين لمنع إقامة إسرائيل، علماً أن الدول العربية الحاصلة على استقلالها للتو، لم تكن تملك جيوشًا بمعنى الكلمة في حينه، وأن "الجيوش" التي أتت إلى فلسطين لم يصل عددها نصف ما استطاعت الحركة الصهيونية أن تحشده في إطار قواتها، علمًا أن مجموع اليهود في المجتمع الاستيطاني لم يتجاوز الـ 640 ألفاً آنذاك.
أيضًا، إن الحديث عن النكبة يطرح السؤال عن استمرارها عامًا بعد عام، إذ أن الواقع العربي ليس فقط لم يُقدم شيئًا للفلسطينيين، بل إنه بالذات سبب إعادة إنتاج النكبة. ومع كل الاحترام للحديث عن قضية فلسطين، وحب فلسطين، فإن هذا لم يترجم بطريقة عملية تسهّل على الفلسطينيين، الذين ظلوا موضع كل أنواع التمييز والابتزاز في العالم العربي.
وإضافة إلى كل ما تقدم، فإن النظام العربي هو المسؤول عن منع الفلسطينيين من إقامة دولة لهم، وبضمه أراضيهم التي لم تقع تحت السيطرة الإسرائيلية (الضفة والقطاع). وهذا النظام هو الذي حوَّل الفلسطيني إلى مجرد لاجئ، لا حقوق له، ولا حول ولا قوة، بدعوى الحفاظ على القضية.
هكذا لا يمكن الحديث عن النكبة من دون مراجعة نقدية للتاريخ، لأن التاريخ المكتوب حكى قصة معينة، تتركز على قيام إسرائيل، فحجبت القصص المتعلقة بمسؤولية الأنظمة عن النكبة، و سهّلت هجرة يهود البلدان العربية إلى فلسطين/إسرائيل (بعد قيامها) إلى درجة أن هذه الدولة تضاعف عدد سكانها في غضون ثلاثة أعوام، وكان 80 في المئة من اليهود المهاجرين من البلدان العربية.
هكذا للنكبة وجهان، الأول يتعلق بقيام إسرائيل، على حساب الفلسطينيين والذي نتج عنه تشريدهم من أرضهم وحرمانهم الوطن والهوية، وهو ما تركز عليه الروايات الرسمية أو التاريخ الرسمي، والثاني يتعلق بالأنظمة التي سهَّلت قيام اسرائيل، ومكّنتها على حساب الفلسطينيين، وهو ما جرى حجبه او إخفاؤه.