وُصِم دعاةُ حقوق المرأة في العالم العربي بأنهم دعاة تغريب وربما إلحاد. إذ اعتبر الكثير من الإسلاميين أن هناك ارتباطاً مباشراً بين الدعوة لحقوق المرأة وبين الاستعمار، ولاسيما في العالم العربي، وبأن تحرير المرأة مؤامرة على الأمة الإسلامية، يُراد منها إخراجها من بيتها ودينها؛ من أجل إيجاد جيل منفصل عن دينه و هموم أمته.
هذه النظرة السلبية لقضية المرأة ما زالت مستمرة اليوم، بتضخيم خطاب هجائي ضد المهتمين بقضايا المرأة واعتبارهم أدوات مشاريع غربية…الخ، من دون النظر إلى حقيقة ما تحتاج إليه المرأة في العالمين العربي والإسلامي، وإيصال صوتها إلى الإعلام والسلطة.
في كتاب “خارج السرب": يبحث (فهمي جدعان) المسألة النسوية في العالم الإسلامي، من خلال تسليط الضوء على تجربة من يسميهن “النسويّات الرافضات” واللواتي أطلق عليهن هذا الاسم بسبب موقفهن المزدوج الرافض للهيمنة الذكورية والدين في آن واحد، كما يشير جدعان بشكل عابر إلى “النسِوية الإسلامية التأويلية” وهي التي تحاول إعادة تأويل الدين من دون معاداته أو الخروج عنه من أجل مواجهة الهيمنة الذكورية. وينتمي إلى التيار النسوي المتصالح مع الدين، بحسب جدعان باحثات أمثال : "أمينة ودود" و"أسماء برلاس" و"رفعت حسن".
يرى فهمي جدعان في النسويات الرافضات بأنهن فشلن إلى الفصل بين الثقافة والدين، وبأن تصورهن للدين الإسلامي يتَّسم بالسطحية، كما يرى بأنهن يستخدمن لغة استفزازية ضد المقدس من خلال كتاباتهن الأدبية أو نشاطهن السياسي والإعلامي، هذه اللغة الاستفزازية لا تُسهم في إصلاح أوضاع المرأة (التي تحتاج إلى إصلاح) في المجتمع الإسلامي، كما يؤكد جدعان.
ربما أبرز إشكالات دعوات حقوق المرأة في العالم الإسلامي أنها لم تأتِ نتيجةً لتغير اقتصادي كبير، فبينما يمكن قراءة صعود الحركات النسوية في أوروبا بسبب تغيرات اقتصادية منحت المرأة استقلالاً، جعلها تتوق إلى تغيرات في وضعها الاجتماعي، لم يحدث أمر مشابه في معظم دول العالم الإسلامي. إذ ما زالت الأسرة تعتمد على الرجل بشكل كبير في تسيير وضعها المالي، وما زالت مشاركة المرأة أقل في العالم الإسلامي، وهو ما يجعل نشأة تيار حقوقي نسوي أمراً تلقائياً.
وربما أسهم عامل آخر في تراجع وضع المرأة في العالمين العربي والإسلامي، وهو اعتبار قضايا المرأة قضية تفاوض بين الدولة والتيارات الدينية، وهو ما جعل تسييس حقوق المرأة مضاعفاً. فالقضية لا تتعلق بالتفسيرات الدينية، أو العادات والتقاليد، وإنما أيضاً بالوضع السياسي بشكل مباشر. وربما كان الجدال المستمر حول الزواج المدني في لبنان مثالاً على حالات التسييس القصوى لقضايا المرأة والأسرة، إذ إن الزواج المدني يصطدم بشكل مباشر في بنية الطوائف، وهو ما يجعل معظم الزعماء السياسيين يرفضونه؛ من أجل ترسيخ الوضع السياسي القائم.