يجيب بعض المصريين عن الانتقادات الموجهة لمصر حول القرارات القضائية السريعة التي يصدرها القضاء المصري بشأن إرهاب حماس، بأن هذا قرار قضائي ولا يتحمل النظام السياسي وزره، حيث إن القضاء المصري مستقل ولا يتدخل فيه المستوى السياسي.
يقولون إن النظام السياسي المصري لا علاقة له بالأمر، وهو يسمع بأحكام القضاء عبر وسائل الإعلام كما يسمع الآخرون. ومن ثم يؤكدون -كما يؤكد النظام السياسي أحيانا- أن القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للنظام المصري، ومصر حريصة على أشقائها الفلسطينيين كما يحرص الفلسطينيون على أنفسهم وأكثر.
ولا يغيب عن بالهم أن يمُنوا على الفلسطينيين التضحيات التي قدموها للقضية الفلسطينية ولشعب فلسطين. وشعب فلسطين يقول: رحم الله شهداء مصر ورحم كل الشهداء الذين سقطوا من أجل فلسطين؛ لكن النظام السياسي طالما أهدر دماء الشهداء لأنه لم يكن يصر على تحقيق إنجاز ملموس يعيد للفلسطينيين ولو جزءا يسيرا من حقوقهم.
يعمل الإعلام المصري وكذلك القضاء على تأجيج مشاعر الحقد والكراهية والبغضاء بين الشعبين المصري والفلسطيني، وهذا يشكل خطورة على مستوى الأمة العربية لأنه إعلام تفريقي وتمزيقي، ويرفع مستوى الفتن بين شعوب الأمة الواحدة. ماذا سيجني الإعلام المصري عندما تسود مشاعر الكراهية بين المصريين والفلسطينيين؟ ما هي الفوائد التي سيحصل عليها؟
مصر لن تستفيد من التشويه والتحريض والمستفيد الأول هم أعداء الأمة العربية من صهاينة وأميركيين الذين يسعون جاهدين على مدى السنوات لبث الفرقة بين العرب وإحداث الفتن والصراعات الداخلية. وبما أن الفائدة تعود على الأعداء، فإن الإعلام التحريضي والتشويهي لا يخدم إلا أعداء الأمة.
لا أظن أن المحرضين والمشوهين غير واعين لهذه المسألة، إنهم يدركون نتائج سوء أعمالهم ويصرون على نشاطاتهم البغيضة خدمة لأعداء الأمة العربية وأعداء مصر بالتحديد. إنهم ليسوا ضد فلسطين فحسب وإنما هم ضد مصر أيضا التي لا تحتاج أعداء جددا ربما يوقعون بها إن زاد حجم الضغط الممارس عليهم.
في الوطن العربي، نحن علينا أن نسلك كل الطرق التي توحد ولا تمزق. بل علينا أن نواجه كل الانحرافات الفكرية التي يمكن أن تباعد العرب بعضهم عن بعض.
العرب عانوا كثيرا من تمزقهم وكلهم في النهاية دفعوا ثمن هذا التمزق، فهل نستمر في الجهالات التي تودي بمصيرنا ومصير الأجيال القادمة؟ على الإعلام المصري أن ينشغل بما هو مفيد بدل الانشغال بالترهات والإفساد.
لقد عملت الأنظمة العربية عبر السنين على تمزيق الشعوب على المستويين الداخلي والعربي، لأن لها مصلحة في الفتنة والتفريق لكي تبقى في سدة الحكم دون أن تقدر الشعوب على تحديها، ولا يجوز للإعلام أن يكون عونا لهذه الأنظمة على إفسادها. فالمفروض أن يتوجه الإعلام نحو خدمة قضايا الوحدة العربية لا أن يكون شريكا في التمزيق.
واضح أن أنظمة عربية عدة لا ترغب استمرارَ المقاومة في مواجهة إسرائيل، ولهذا وقفت عدة دول إلى جانب إسرائيل في حروبها ضد هذه المقاومة سواء الفلسطينية أو اللبنانية. المقاومة العربية الإسلامية تقض مضاجع الأنظمة لأن انتصارها هو هزيمة للأنظمة المتهاوية التي تقيم علاقات مع إسرائيل وتخضع لأوامر الولايات المتحدة.
العديد من الأنظمة العربية تتحالف الآن مع إسرائيل وتقدم لها خدمات أمنية حول المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. هذا مفهوم من حيث إن إسرائيل معنية بالمحافظة على الأنظمة العربية بسبب فسادها وترهلها وعدم رغبتها في نهوض الأمة العربية ككل، أما المقاومة فتشكل خطرا على وجود هذه الأنظمة إن انتصرت. فأي فريق ستدعم الأنظمة: الذين يحافظون على وجودها أم أولئك الذين يمكن أن يقضوا عليها ولو بصورة غير مباشرة مستقبلا؟
إذا وضعت الأنظمة العربية مصالحها أمام انتصار المقاومة فإنها ستختار مصالحها، وستقف -لا مفر- إلى جانب إسرائيل. ولهذا تقف أنظمة عربية عدة ضد حماس وتمنعها من ممارسة نشاطاتها، وتمنع عنها الأموال وتشدد الخناق على قطاع غزة. الأنظمة العربية -وخاصة النظام المصري- شركاء أقوياء في الحصار على غزة، ولو كانوا قادرين على منع الهواء عن أهل غزة لفعلوا.
إسرائيل تعمل على القضاء على المقاومة في غزة، وكذلك تفعل الدول الاستعمارية الكبرى، وكذلك يفعل النظام المصري وسلطة أوسلو. إنه حصار متعدد الجوانب، والدول المعنية تتقاسم الوظائف في التضييق على الشعب الفلسطيني في غزة. ومفهوم أنهم يضيقون على الشعب في غزة من أجل أن يثور على حماس فيسقطها وتعود سلطة أوسلو إلى غزة.
وهذا بحد ذاته إرهاب لأنه يستعمل آلام الناس العاديين وأحزانهم من أجل تحقيق أهداف سياسية. إنهم يسببون لأهل غزة الآلام لكي يثوروا فتتحقق أمنياتهم في القضاء على المقاومة. أليس هذا هو التعريف الأميركي للإرهاب؟ الأميركيون يربطون الإرهاب بمعاناة المدنيين كوسيلة للابتزاز السياسي، وهذا عينه ما تقوم به مصر؛ فمن هو الإرهابي؟