عبدالله الجعيثن/ بتصرّف نحن السمان وأتشرف أن أكون قد أصبحت واحداً منهم منذ سنوات ، لنا مع (السمنة) قصص وحكايات، ومواقف .. ودراما .. ومعارك و"كر وفر".. ولكننا في أغلبنا .. وفي أغلب الأحيان.. نشبه في حروبنا مع السمنة حروب العرب مع إسرائيل.. هي تعتدي علينا كل يوم .. ونحن نشجب ونستنكر.. هي تهدد وجودنا ونحن نلهو ونلعب.. نأكل ونشبع.. حتى في حروبنا المحدودة معها كنا في الأغلب نحن الخاسرين.. إذا تقدمنا شبراً تقدمت متراً.. وإذا فقدنا كيلوغراماً كسبنا خمسة.. والحمد لله
وقد عاش - على ظهورنا نحن السمان - جيش من الأطباء والصيادلة ومراكز الرياضة والتنحيف ومؤلفي كتب الحمية والريجيم وكيف تخسر وزنك في سبعة أيام على غرار كيف تتعلم الانجليزية خلال سبعة أيام..
وعاش - على ظهورنا نحن السمان - جيش آخر من المستغلين دجالين وغير دجالين من العطارين والعشابين ومقدمي أدوية مختلفة للحمية والتنحيف مع الدعاية والإعلان والوعود البراقة التي تشبه سحاب الصيف الذي لا ماء فيه.. سراب .. في سراب.. دفع فلوس .. وتعب .. وانتظار.. وملل .. ومحاولات بعد ملل.. ثم عودة لليأس والأكل .. ثم البحث عن أي إعلان لدواء أو برنامج يخفف الوزن . أو كتاب جديد .. وبدء المشوار المتعب من جديد.!
وكان آخر ما توصلت إليه في علاج السمنة، وقد كاد وزني يبلغ المئة وإن كنت لم أبلغها قط .. بعد.. وإن كانت على ما يبدو في الطريق والحمد لله على كل حال.. كان آخر ما توصلت إليه علاجاً نصحني به مسؤول احدى شركات أدوية الأعشاب المقننة لا العطارين فأنا لا أتعامل مع العطارين أبداً ولكن يبدو أن كليهما "وجهان لعملة واحدة"! فقد قال لي المسؤول : أنّ هذا العلاج (آخر صيحة) في علاج السمنة وإعلان الحرب عليها ولهذا فهو - كعادة آخر صيحة - غالي الثمن فهو ينشط الجسم ويمنح الحيوية ويزيد احتراق الطعام ويسد الشهية.. هل عندك ضغط؟ قلت: لا .. قال - وهو يرفع أمام عيني علبة الدواء بابتهاج- : هذا إذن علاجك بالضبط.. سوف يقل وزنك ويزداد نشاطك وتحب الحياة!.. قلت: كيف أحب الحياة؟ هل فيه مضادات كآبة أو جالبات الابتهاج أو أي نوع من المخدرات؟! فقال باستنكار: أعوذ بالله! فيه أعشاب طبيعية تحرق الأغذية، وفيه عشبة فيها (كافئين) مركّز يجعلك نشيطاً كثير الحركة قليل النوم سريع الحرق لما تأكل.. قلت: فإنني أشرب الكثير من الشاي والقهوة وفيهما (كافئين) ولم ينفع.. قال: فإن ما في هذه الكبسولة من الكافئين يفوق أضعافاً ما في الشاي والقهوة بالإضافة إلى أعشاب تملأ المعدة وأملاح تحرق السكر والدهون.
كالعادة اشتريت المستحضر العشبي الجديد وعزائي أنه من شركة محترمة لا من دجّالين أو عشابين مشكوك في أمرهم وخلطاتهم، محتويات العلبة معروفة، والشركة رأيت فروعها في أوروبا وأمريكا، فهي مشهورة، والتجربة على أي حال خير برهان، وبرميل الزبالة موجود في النهاية.. وكالعادة لن تكون الأولى .. ولا الأخيرة!
قرأت في جريدة "الرياض" (منذ فترة قريبة) أن فتاة سعودية (ما شاء الله) استطاعت خفض وزنها من فوق المئة إلى سبعة وخمسين كيلوغراماً فقط وتريد خفض المزيد وأنها فعلت ذلك من خلال برنامج غذائي ورياضي مدته عام وبإرادة من حديد وكان هدفها الرئيسي كما تقول هو أن تلبس البنطلون الذي كانت سمنتها تحول بينها وبينه! هدف صغير لعمل كبير.. "والله قد يضع سره في أضعف خلقه"!
وقرأت لصحفية رشيقة في مجلة (حواء) منذ سنوات حديثاً جميلاً عن الرشاقة والسمنة وأن الرشاقة مسألة علم وذكاء وحسن اختيار فهي لها صديقة سمينة جداً تكره شمنتها وتغبط صديقتها الصحفية على رشاقتها.. وتقول الصحفية: إننا نجلس في مطعم واحد ونطلب أحياناً طبقين متماثلين ولكن يختلف ما آكل عما تأكله هي.. فأنا أزيل جلد الدجاج وهي تبدأ به وتقول لا طعم للدجاج بدونه.. وأنا لا أذوق البطاطس المقلي المرفق مع الطبق وهي تلتهمه .. وأكتفي أنا بصدر الدجاج بدون جلد وبالسَّلطة والخضار بدون بطاطس، ولكن صديقتي السمينة مستعدة لالتهام ما يُسمِّن ويمتلئ بالسعرات ، مع ذلك كلنا نشبع، غير أنها تسمن .. وترهق جسدها.. وتفقد ملابسها القديمة.. وتظل تشكو من السمنة.. وما من شكوى بلا سبب .. ولا بد من معرفة السبب أولاً .. فإذا "عُرف السبب بطل العجب".. والسبب في سمنة السمان على الأغلب هو التهام المزيد من الطعام.
قلت:صحيح أن هناك "عصافير محظوظين" (ما شاء الله، متعهم الله بالصحة) .. أعرف بعضهم وآكل معهم دائماً.. يأكلون كما نأكل نحن السمان .. ولكنهم لا يسمنون أبداً، هؤلاء موجودون ولكنهم قلة وهؤلاء هم السعداء حقاً يستمتعون بالمائدة والرشاقة معاً.. ليتنا مثلهم .. ولكن لذلك فإن الحل الوحيد أمام السمين هو الإرادة القوية والوعي الغذائي بحيث يضع له برنامجاً غذائياً صحياً ومتوازناً يعتمده مدى الحياة وليس لشهور فيبرأ من سمنته بإذن الله، ويتخلص من الزوائد من الدهون والكوليسترول ويرضى عن نفسه ويحس أنه حقق انتصاراً فالانتصار على هوى النفس مفخرة.
وعودة لعلاج الأخ فقد اشتريته بحماسة ثم رميته في الزبالة! .. لقد قلل نومي جداً وزاد خفقان قلبي وجعلني كأنني لستُ على بعضي! .. وأنا شخصياً لا يروق مزاجي وأستطيع القراءة والكتابة إلا إذا نمت ساعات كافية ( 8ساعات على الأقل) قلت في نفسي: يبدو أن هذا العلاج بدل أن يحذف من وزني كيلو سوف يحذف وزني كله في رحلة عاجلة إلى المقبرة بالكيلوات كاملة! .. فكان مصيره الزبالة! .. ومازلت أعتقد أن الأدوية ومستحضرات الأعشاب هذه تجارية بحتة تستنزف جيوب وجهود السمان "على الفاضي" .. والسمين مسكين يريد أن يأكل ولا يسمن.. ويريد أن ينحف بسرعة .. وبلا مجهود.. وهذا لا يحدث، ولكنه يظن أنه يحدث فيتعلق بأي دواء أو صرخة ريجيم.. يريد الطريق الأسرع والأسهل.. وهو معدوم .. وخطير .. وفيه أنفاق ومحاذير قد تهلك الإنسان..كما قال الأجداد: الغذاء القليل المنوّع مدى العمر.. أما غير ذلك فمجرد تشجنات وصرخات شجب واستنكار بلا جدوى.